أربعون، تحملني أم أحملها:
اليوم هو التاسع من يونيو، وفقا لتاريخ ميلادي غير الدقيق الموافق ل 1/7 الحكومية فقد كان يفترض بي أني أتممت أربعيني بحمد الله قبل ثلاثة أيام!
اللهم لك الحمد، أربعون وفقا للميلادي، أما بالهجري فأنا الآن أبلغ من العمر واحدا وأربعين عاما وشهرا. وياله من شعور مبهج لم أحسب له حسابا!
أعترف أني قضيت وأضعت عمرا طويلا وأنا أتخوّف من الأربعين، وأراها بداية النهاية ، بداية الشيخوخة ومنتصف العمر وغيرها من الأفكار السلبية التي أنتجتها حالة الفضاوة والفراغ في العشرينات المرهقة!
بلغت الأربعين وفي بطني طفلة تنتظر الخروج في شهرها الأخير _وأسأل الله أن يسهل خروجها ويجعلها وجه سعد ومحبة على العالم كله_ وفي رعايتي ولد وبنت هما أجمل ما أنعم الله به علي.
كل هذه النعم الجميلة التي تنتظر الشكر والاعتراف كانت أحلاما يوما ما، أحلاما منها ما جلست أنتظره، ومنها ما جلست أعمل عليه، وفي الحالتين كان الله سبحانه يدبّرني ويدبّر لي، فلك الحمد يا رحمن ياكريم يارحيم.
ينظر الكثير للأربعين وكأنها فعلا بداية النهاية، بينما كانت للأنبياء بداية النور والحكمة، وبداية السعادة، وبداية الحياة، نعم نبدو حين نبلغ الأربعين وكأننا فعلا كنا نستعد لوقت طويل لهذه الانطلاقة الجميلة، لكن ينكّد علينا فقط تلك الأفكار السلبية التي تقول لنا أننا سنبدأ بالترهل، ستغزونا التجاعيد والشيب، وستقلل من جاذبيتنا الجنسية وسيبحث شركاؤنا عن آخرين أو سيتشاغلون عنا، وغيرها من الأفكار التي سلبت منا فرحتنا بأعمارنا، وجعلتنا أسرى لتصغير أشكالنا والكذب بشأن تواريخ ميلادنا.
حتى أنا أحيانا، صار تاريخ 1978 يستفزني، وكأنه ليس العام الذي استقبلتني فيه الأرض وهللت لأجلي شمس يوليو الحارقة وهي تطبخ تمر النخيل في الرياض. لكنني أتجاوز كل مرة هذه السخافة وأعلن عن عمري لا لأني فخورة فقط، ولكن لأني ممتنة لكل يوم مر بي على هذه الأرض، لكل يوم اختاره الله لي وجعل أقداره الممتعة أو المؤلمة جزءا من ذاكرتي القوية.
وحده الإنسان من يستطيع أن يحوّل لحظاته إلى نياشين يضعها على صدره، أو جروح يبكي منها كلما كان هناك مناسبة، وحده الإنسان من يستطيع أن يحدد ما تكون تجاعيده وشيب شعره بالنسبة له، هل ستكون علامة شيخوخة وضعف ورثاثة، أو تكون علامة جمال وتقدم في النور والحكمة والحياة.
وها أنذا، وأنا أخطو بإذن الله نحو أربعيني، أجدني أنتظر ما تبقى من أيامي وسنواتي، قد تكون أطول مما مضى وأجمل، وقد تكون أقصر ، ولكنني أعلم حتما أنها ستكون محمّلة بكل ما حمّلت به أربعوني الماضية، حب وبهجة ، تجارب ودروس، أيام جميلة وأيام أخرى صعبة، أخطاء وندم، ونجاح وفرحات، كل شيء تمنحك إياه الحياة جدير بالاحتفاء، وجدير بأن تنظر له بحب وأن تحمد الله من كل قلبك. لأن الله لايعلّمنا _سبحانه_ بسبورة وطباشير، بل بأيام ولحظات، وتجارب وكبد، ومنح ومحن، وهذا مايتبقى لك في حياتك، في لحظاتك، في لاوعيك وأرشيف نفسك.

لم أتذكر حياتي يوما خالية من الكدر، لقد كانت كأي حياة أخرى مليئة بالتجارب الصعبة، باللحظات المريرة التي لاتنسى، المرة التي قضيت فيها ساعات بجوار أمي الحبيبة في مستشفى الحرس وهي تخبرني بأنها تحتضر _ ولم تكن كذلك بل كانت تتوهم_ لم تكن أقل مرارة من رؤيتها وهي تتشنج وتفقد أنفاسها ووعيها وإحساسها بمن حولها وهي تنقل للعناية المركزة. ولاحقا كانت ذكريات قديمة من مراهقتي وطفولتي تذكرني بأيام كنت أبكي فيها بمرارة وبدون سبب، ومرة داهمتني نوبة تعرق شديدة أقرب لأن تكون نوبة هلع في نومي، لم تتكرر ولله الحمد فيما بعد لكنني أتذكرها جيدا، وكم من أيام عشتها كنت أتوهم فيها حصول سنياريوهات مخيفة، إحداها أن يرسل صدام حسين _ قبل غزو العراق_ صاروخا نوويا إلى الرياض ويبخرها في سحابة الفطر المريعة تلك.
كم من الخيالات والصور المخيفة والمضحكة والمثيرة للسخرية امتلأ بها عقلي لفترة طويلة. والأمر الجميل في تلك التجارب أنني أنظر إليها وقد أصبحت في أربعيني وأتعلم من جديد، أن حياتي السابقة كانت مليئة، وأن من الطبيعي أن تكون حياتي اللاحقة مليئة ومتعبة وفيها الكثير من المسرات والآلام، وإلا فكيف ستكون حياة رتيبة مكرورة ومملة بلا تحديات من كل جانب؟

أضف تعليق